ما أحوجنا، في هذا الزّمان الرّديء، إلى الإرادة، والرّجاء، والمثابرة، والأمل! هذه المفاهيم الّتي شكّلتعناوين لمؤلّفينِقدّمهما هديّة، إليّ،كاتبهما ميشال سركيس بغدادليان، هذا الشّاب المترعأملًا، على الرّغم من اليأس والإحباط الّلذين نعيش فيهما.وكيف لا؟ وهو من أصحاب الهمم، أو ما يسمّى بالاحتياجات الخاصّة، أو ما يعرف تقليديًّا بالإعاقة في الحياة، والّتي لسنا منها براء،فكلنا، في هذه الدّنيا، معوّقون، ولكنّ ما يعزّينا أكثر هوأن لا أحد منّا كامل، على هذا البسيطة. فكيف لشاب ضاق به رحب الفضاء، مسمّر على كرسيّه،ولكن بمجهود أناملهالصّغيرة الملهمة يحرّكها الذّهن المشتعل،يطبع، على جهاز كمبيوتره، بائحًا بمكنونات حياته الشّخصيّة، بل بتأمّلاته، وأمواج أفكاره، ليصبح، عنده، الخيال،على رحابة مساحته، في عالم اللّاحقيقة،هو الحقيقة بحدّ ذاتها.
اكتشفت هذا الشّاب المميّز، والكاتب الملهَم، والثّائرعلى القشور الزّائفة، وعلى النّظرات الفارغة، إلّا أنّه مفعم بالمحبّة الزّاخرة بالحبّ،وبالرّجاء المصقول بالألم. يستوقفك الكاتب في المؤلّفينِ، ليخفّف عنك ضوضاء الحياة، وليذكرك بقيمة الحياة وجوهرها.فالحياة ليست، بالنّسبة إليه،آتية من الفراغ، ولا هي حتمًاتسير نحو الفناء، إنّما هي، في الأساس، دعوة، ورسالة، فيقول: "وأنا كشخص مقعد،أحمل رسالة، وهي أن أخرج المشاعر الّتي تختلج بداخلي، وأنقلها إلى العالم". هذه الصّورة الرّائعة الّتي تحمل، في طيّاتها، تحدّيات وخبرات يعيشها الكاتب، في محيطه الضّيّق، يريد أن يتقاسمها مع الإنسانيّة جمعاء، على الرّغم من إقراره بعجز معيّن، إلّا أنّ تقاسم الخبرات، في نظره، علاج أسمى من حبوب الدّواء، على أهمّيّتها.
بين دفتي كتابه، لا تجد نفسك أمام كلمات، بل أمام رفيق يحاورك، ويحادثك بأسلوبهالبسيط غير المتكلّف،وبدلالات عميقة يحرّك أفكارك الرّاكدة في العقليّات المتحجّرة،حيال سخافات الوجود.
ميشال الكاتب نحته الألم؛ والألم أبدع فيه الأمل والرّجاء، إلّا أنّ تحبير قلمه،في معترك الحياة، دعوة لكلّ متعجرف، ومتغطرس، ومحبط،ويائس أمام الأزمات المتكاثرة في حياتنا، ليبقى الأمل، والرّجاء، والإرادة، والمثابرة،ولتبقى الحياة فرصة للإبداع والحبّ الّلذين لا يتكرّران… فيقول: "نحن البشر زوّار على هذه الأرض الفانية؛ فمهما حصدنا من ثروات فلن نأخذ معنا شيئًا إلى مثوانا الأخير. عمرنا غفلة، ولهذا السّبب علينا أن نستفيد من كلّ لحظة نعيشها على هذه الأرض". أفليست هذه بمثابة وصية حياة ملؤها النّضج ونقاء الإنسانيّة؟.